top of page

تمازج العلاقة بين موروث الإسلام والمسيحية في تاريخ الدولة الحديثة في السودان

تمازج العلاقة بين موروث الإسلام والمسيحية في تاريخ الدولة الحديثة في السودان

بقلم مروة الخيال

حيث ان طبيعة التعصب الديني في الماضي كانت خارج البيئة السودانية فخارطة الأديان في هذا البلد بقيت تتعايش وتتألف دون أي نزعة دينية ، لكن هذا لم يمنع ظهور بعض بؤر التوتر في أماكن متعددة من البلاد وعلى الرغم من أن المسيحية تعتبر من اقدم الأديان التي استوطنت أرض السودان، حتى قيام أول دولة عربية إسلامية فيها في القرن الرابع عشر الميلادي، إلا نسبة المسيحية بحسب الإحصاءات غير الرسمية لا تتجاوز نسبة 15% من سكان السودان، قبل انفصالها عن الجزء الجنوبي الذي يعرف اليوم بدولة جنوب السودان في نوفمبر 2011 اما بعد الانفصال فإن النسبة الحالية تقدر 4% من إجمالي السكان

الخارطة المسيحية في السودان الحديث

الاهتمام سيُركز هنا على فترة الحكم للستعمار الإنجليزي المصري و ما بعد استقلال السودان التي بدأ فيها تكوين الطوائف المسيحية المعاصرة وتحديد أساسياتها والتي تزامنت مع نهاية الدولة المهدية ودخول المستعمر إلى السودان ، بدأت تظهر الطائفة القبطية على شكل مجموعات سكانية حضرية ، تم الاستعانة بخبراتها التعليمية من قبل المستعمر الإنجليزي في تسيير دواوين الإدارة المدنية للدولة ومنها هيئة سكك الحديد السودانية واستقرت هذه الطائفة في أهم المراكز الحضرية في السودان تحديدا جنوب الخرطوم وحتى مدينة عطبره شمالاً ، لكن ثقل الطائفة القبطية وكنائسها يمتد في مدن عديده منها الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري ، و استوطنوا في اقدم الأحياء السكنية، في ام درمان لكن البعض يرى أن الأقباط تواجدوا في السودان قبل الاستعمار الإنجليزي، في عهد الدولة التركية الممتد من 1821 - 1885، لكن سيطرة الدولة المهدية الجهادية على الحكم في السودان ، أدى إلى خروج أعداد كبيرة منهم مع الحكم التركي.

إضافة إلى الطائفة القبطية، فأن مسيحيو السودان إبان فترة الاستعمار ، و الذين تم إدخالهم للمسيحية عن طريق الإرساليات التبشيرية التي نشطت في السودان في فترة الاستعمار ، وبالذات في جنوب السودان ، وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق (المجموعات غير العربية) والغالبية العظمى من مسيحي هذه الحقبة كانت من الطبقة المثقفة والمتعلمة التي تلقت تعليمها في مدارس الإرساليات التبشيرية. ويمكن أن نحدد الطوائف والمذاهب المسيحية في السودان قبل وبعد الانفصال في:

البعض يرى أن الأقباط تواجدوا في السودان قبل الاستعمار الإنجليزي، في عهد الدولة التركية الممتد من 1821 - 1885، لكن سيطرة الدولة المهدية الجهادية على الحكم في السودان، أدى إلى خروج أعداد كبيرة منهم مع الحكم التركي

1. الكاثوليك : وتعتبر من أكبر طوائف الكنسية في السودان.

2. كنائس البروتستانت، وتنقسم إلى الطوائف الآتية:

أ ـ الأسقفية.

ب ـ الإنجيلية.

ج ـ كنيسة المسيح السودانية.

د ـ كنيسة المسيح الداخلية.

هـ ـ إفريقيا الداخلية.

زـ اللوثرية الأسقفية.

وـ اللوثرية الإنجيلية.

3. كنائس الأرثوذكس: وتضم إلى جانب الأقباط، الجاليات المهاجرة إلى السودان، واللاجئين الأثيوبيين والأرتريين، وتضم الكنيسة القبطية، والإثيوبية، والأرترية، والأرمنية، واليونانية، والروم الكاثوليك.

ومن المهم أن نذكر أن الطائفة المسيحية اليونانية والأرمنية، قد استقرت في السودان بصورة كبيرة ابان الاستعمار الإنجليزي، في مدينة الخرطوم ، وقد عملت بالتجارة والآن المسيحيون الأرمن واليونانيون لم يعد لهم وجود، وخاصةً ما بعد قرارات التأميم التي صدرت في العام 1969-1970 تحت المد اليساري للسلطة الحاكمة في ذلك الوقت.

السودان غالبية مسلمة من السنة، لكن الوقوف عند هذا الحد فيه كثير من التضليل، فنحن أمام تيارات وجماعات إسلامية متعددة

خارطة الإسلام في السودان

قد يعتقد بعضهم أنه من العبث تحديد فئات الإسلام في السودان على أنه تحصيل حاصل، وهذا هو الفخ الذي نقع فيه باستمرار؛ فعلى العكس من ذلك، نحن أكثر حاجة إلى تشريح خارطة الإسلام في السودان وتياراته؛ فالسودان غالبية مسلمة من السنة، لكن الوقوف عند هذا الحد فيه كثير من التضليل، فنحن أمام تيارات وجماعات إسلامية متعددة، خاصة في أعقاب التغيرات الإقليمية والدولية في تسعينيات القرن السابق، ومجيء التيار الإسلامي الإخواني للحكم في السودان منتصف العام 1989 ؛ فمع مجيء هذا التيار بدأت بوادر التوتر الديني القائم على أساس إسلامي مسيحي منذ تحويل الحرب الدائرة بين جنوب السودان وشماله - منذ استقلال السودان- إلى حرب مقدسة بين دار الإسلام ودار الكفر، وإعلان الجهاد في الحرب، وزج الشباب المسيحيين تحت راية الجهاد في جنوب السودان وتحت اعتبارات كثيرة، لم يستمر هذا الاتجاه المقدس، وتحويل الحرب من مسببات التنوع الثقافي إلى حرب دينية، واستطاعت الإثنية الثقافية ـ رغم بغضها ـ أن تنتصر على الاتجاه الجهادي. كما ان وجود الإسلاميين في الحكم، أفرز بعض التوترات ذات الطابع الديني، وخاصة في الفترة من 1992-2005، من أمثلتها الحالة الدينية الهستيرية التي قادتها التيارات الإسلامية السنية ضد زيارة كبير أساقفة كنتر بيري للسودان في بداية التسعينيات؛ فقد حشدت جميع التيارات الإسلامية السنية بما فيها الإسلاميون وجميع مصادرهم الدعوية وأنصارهم لمنع هذه الزيارة، و بالفعل نجحت في ذلك مما أغضب الكنائس المسيحية بكل طوائفها في السودان.

و بدأت بوادر التوتر الديني القائم على أساس إسلامي مسيحي منذ تحويل الحرب الدائرة بين جنوب السودان وشماله - منذ استقلال السودان- إلى حرب مقدسة بين دار الإسلام ودار الكفر

من ناحية أخرى، فقد فتح الإسلامويون ـ تحت مسمى المؤتمر الإسلامي الشعبي الذي قاده عراب الإسلاميين حسن عبدالله الترابي ـ أبواب السودان للعرب الأفغان الجهاديين، بعد خروج الروس من أفغانستان، ولقادة السلفية الجهادية بقيادة أسامة بن لادن، وفي هذه الفترة شهدت الخرطوم أول صراع علني بين التيارات السنية، عندما تم إطلاق النار على أحد مساجد التيار السلفي السني في أم درمان، ومن هنا بدأ التيار الجهادي السلفي في النمو بالسودان، ومع هذا التيار بدأت تظهر دعوات التكفير للآخرين، واهدار الدم، كما حدث في العام 2005 بإصدار قائمة يجب هدر دمها من المثقفين الليبراليين واليسار، إضافة إلى محاولته تقسيم السودان إلى دار الكفر ودار الإسلام ، الأمر الذي خلق كثيرا من القلق لدى مسيحي السودان، وخاصة الأقباط، وفي العام 2007 قام هذا التيار بتنفيذ عملية اغتيال في وسط الخرطوم لدبلوماسي أمريكي تحت دعاوى التكفير. لكن خطورة هذا الاتجاه في أنه يمثل إمداداً بشريا استراتيجياً للجهاديين في القرن الأفريقي، وشرق ووسط أفريقيا، وبالذات لحركة شباب المجاهدين في الصومال. التيار السني الآخر هو جماعة أنصار السنة المحمدية، وهو تيار سلفي غير جهادي، يتبع الفكر الوهابي، وهو من أقدم التيارات الإسلامية السنية في السودان الحديث ما بعد الاستقلال، وهو في بداياته كان تيارا دعويا ضد البدع، وركز حملته على الحركة الصوفية في السودان، وتعرض هذا التيار لكثير من الانشقاقات لأسباب منها، ما يتعلق بتورطه في العمل السياسي، ومنها لتملل بعض عناصره، والدعوة إلى الانتقال من مرحلة اللسان والقلب إلى مرحلة اليد، لكن وللتاريخ، فإن هذا التيار لم يتصادم مع مسيحي السودان بصوره علنية.

من التيارات الإسلامية التي ظهرت في العقدين السابقين هو التيار الشيعي، وإن كان قليل العدد إلا أنه بدأ ينتشر وسط طلاب الجامعات السودانية

التيار السني الأهم في السودان هو التيار الصوفي، وهو أهم التيارات الإسلامية على الإطلاق، لقدمه ولحجم المنتسبين إليه، ولانتشاره الكبير في المناطق الجغرافية في السودان، وبالذات في وسط السودان، ويتركز هذا التيار في المناطق الريفية، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة بدأ في التواجد في المناطق الطرفية الحضرية، ويمثل التيار الصوفي قمة التعايش السلمي مع الأديان الأخرى . من التيارات الإسلامية التي ظهرت في العقدين السابقين هو التيار الشيعي، وإن كان قليل العدد إلا أنه بدأ ينتشر وسط طلاب الجامعات السودانية، وقد أتاحت المصالح السياسية مع إيران الفرصة للوجود الشيعي في السودان، وإذا استمر الاستقطاب الشيعي فالمستقبل سينبئ بالصدام عنيف مع التيار السني المسيطر.

الخلاصة: ان السودان يمثل فسيفساء للأديان قبل وبعد انفصاله وتعدد الأديان السماوية والوضعية في تاريخ السودان رغم التوترات بين الحين والآخر، يمثل حالة من التعايش الديني المستقر ، وعلى الرغم من الصراعات والحروب التي تسود السودان لكن مرجعتيها بقية اثنية قبلية بعيدة عن الاديان


Talal Khrais

bottom of page