محمد الأسعد… دبلوماسية هادئة تُعيد ترتيب المشهد الفلسطيني في لبنان
- 20 minuti fa
- Tempo di lettura: 2 min

بقلم : عصام الحلبي
من يتابع حركة السفير الفلسطيني في لبنان، محمد الأسعد، منذ تسلّمه مهامه، يدرك سريعًا أن الرجل جاء وهو يحمل رؤية واضحة لإعادة ترميم العلاقة بين الدولة اللبنانية والمؤسسات الفلسطينية، وفي الوقت ذاته إعادة الاعتبار للدور الدبلوماسي للسفارة باعتبارها المرجعية الرسمية لشؤون الفلسطينيين في لبنان. ورغم أن الزمن الذي مضى على وجوده في بيروت قصير، إلا أنّ حضوره بدا فاعلا ومختلفًا، ليس عبر الخطابات أو التصريحات، بل من خلال عمل ميداني متواصل واجتماعات مكثفة مع مختلف الأطراف المعنية بالملف الفلسطيني.ما يلفت في مقاربة السفير الأسعد أنه لم يأتِ بخطوات متدرجة أو بطيئة، بل بدأ من النقطة الأكثر حساسية، فتح قنوات تواصل مباشرة مع مؤسسات الدولة اللبنانية، من وزارات وأجهزة أمنية وشخصيات سياسية مؤثرة. بدا واضحًا أنّ هدفه إعادة صياغة العلاقة الفلسطينية–اللبنانية على قاعدة الشراكة والتنظيم، والتعامل مع الدولة اللبنانية بوصفها المرجعية الأساسية في إدارة ملف المخيمات واللاجئين، بعيدًا عن أي ازدواجية أو التباس في الصلاحيات.لكن الاهتمام الرسمي لم يكن وحده محور نشاطه، فقد أولى السفير الأسعد عناية خاصة بقضايا اللاجئين الفلسطينيين من خلال التواصل المستمر مع وكالة الأونروا، التي تمثل شريان الحياة لمئات آلاف اللاجئين. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية وتراجع قدرات الوكالة، جاءت لقاءاته معها لتعيد التأكيد على ضرورة حماية دورها واستمرار خدماتها، بل وإيجاد حلول عملية لأزماتها المتزايدة. وفي السياق نفسه، حملت اجتماعاته مع لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني طابعًا بنّاءً، قائمًا على تعزيز العمل المشترك ودعم المشاريع التي تحسن حياة الفلسطينيين داخل المخيمات وترسخ تعاونًا رسميًا مؤسسيًا بين الجانبين.اللافت أن السفير الأسعد لم يحصر نشاطه في الأطر الرسمية ، بل انفتح بوضوح على المجتمع الفلسطيني نفسه، فالتقى أطرًا وقيادات من مختلف الاتجاهات، واستمع إلى هواجس اللجان الشعبية والنقابات والهيئات الاجتماعية، والتقى فاعليات شبابية وبلدية داخل المخيمات ومحيطها. هذا الانفتاح الواسع أعاد إلى أبناء المخيمات شعورًا بأنّ صوتهم مسموع وأنّ السفارة ليست مؤسسة بعيدة، بل جزء من حياتهم اليومية وقادرة على متابعة قضاياهم مباشرة دون وسطاء أو حواجز.في الساحة اللبنانية، استطاع الأسعد أن يقدّم نموذجًا متوازنًا في التعاطي مع القوى السياسية، محافظًا على مسافة آمنة من التجاذبات، وملتزمًا بمنطق الدولة ومؤسساتها، وقد ساعده هذا النهج على بناء علاقات تقوم على الثقة والوضوح، بعيدًا عن الاستقطاب أو الانحياز. هدوؤه الدبلوماسي، وقدرته على الاستماع، وابتعاده عن الخطاب الحاد، كلها عوامل أسهمت في تعزيز حضوره واحترامه بين مختلف الأطراف .نجاح السفير في تحقيق هذا الزخم خلال فترة قصيرة لا يعود فقط إلى شبكة اللقاءات الواسعة التي أجراها، بل إلى طبيعة رؤيته التي تبدو أقرب إلى مشروع دبلوماسي يريد إعادة ترتيب البيت الفلسطيني في لبنان، وضمان أن تكون العلاقة مع الدولة اللبنانية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون، لا على التداخل أو الفوضى. وفي الوقت ذاته، يسعى إلى حماية الفلسطينيين وحقوقهم، وإبعاد قضيتهم عن أي توظيف سياسي أو صراعات إقليمية.قد لا تكون الأشهر الأولى كافية للحكم النهائي على مرحلة جديدة، لكن ما هو واضح حتى الآن أن محمد الأسعد يرسّخ مسارًا مختلفًا، أكثر هدوءًا وتنظيمًا وواقعية. فالرجل يتحرك بثقة، ويعمل بصمت، ويراهن على بناء علاقات متينة تُخرج الملف الفلسطيني من دائرة التجاذبات إلى مساحة العمل المشترك المسؤول. وإذا استمر على هذا النهج، فقد يشكل وجوده في بيروت محطة مهمّة في إعادة رسم ملامح العلاقة بين لبنان وفلسطينييه، ونافذة أمل في واقع معقد يحتاج إلى كثير من الحكمة وقليل من الضجيج.







Commenti