إيران بعد سقوط الأسد: استراتيجية الردع بلا دمشق
- 2 nov
- Tempo di lettura: 2 min

وائل المولى – كاتب وصحافي
لم يكن سقوط نظام الأسد مجرّد محطة في مسار الحرب السورية بل شكّل زلزالاً استراتيجياً أصاب التوازنات الإقليمية في صميمها. ومع انتقال السلطة في دمشق ، خسرت طهران أهم قاعدة نفوذ بريّة مكّنتها لعقود من الحركة العسكرية واللوجستية نحو لبنان وفلسطين والبحر المتوسط.
في خضم هذا التحوّل، برزت تصريحات القائد السابق للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري باعتبارها مفتاحاً لفهم المرحلة التي تعيشها إيران اليوم. جعفري تحدّث بصراحة نادرة عن الأخطاء التي سادت العلاقة مع الأسد، وعن مرحلة جديدة من «الردع بلا حليف مركزي»، تُعيد فيها إيران تعريف نفوذها الإقليمي وقواعد اشتباكها مع إسرائيل والولايات المتحدة.
من حماية نظام… إلى حماية مشروع
كانت إيران في عهد الأسد تخوض معركتها من بوابة حماية نظام حليف لديه قوة عسكرية ((جيش، مخازن سلاح، قواعد في العمق،..الخ )) وحليف سياسي مكتمل الأهلية في المحافل الدولية.
اليوم تغيّر المشهد:
دمشق لم تعد بوابة «المحور»، بل حدوداً مغلقة أمامه.
ومع ذلك، تؤكد تصريحات جعفري أنّ نفوذ إيران ليس رهينة لعاصمة أو لنظام، بل رهينة مشروع يمتد من اليمن إلى العراق فلبنان وغزة.
هي صيغة جديدة للردع لا جيوش كثيفة ولا سيطرة ترابية، بل شبكات متعددة ومحاور متصلة وإن تباعدت جغرافياً.
استراتيجية «الردّ غير المتكافئ»
في قلب هذه المرحلة يتمركز مفهوم ردعي جديد يتلخّص في معادلة بسيطة:
“أثر استراتيجي كبير… بوسائل صغيرة لا تجرّ إلى حرب شاملة.”
ولعل أبرز أدواته هي الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة والردع البحري وتهديد ممرات الطاقة والحرب السيبرانية والمعلوماتية والضغط عبر ساحات بديلة اليمن، العراق، لبنان وأماكن أخرى
ويبدو أن إيران لم تعد تريد المعركة الكبرى الآن.
إنّها تريد أن يشعر خصومها بأنّها قادرة عليها في أي لحظة.
سورية الجديدة: خصم وعلاقات مقطوعة .
مع تغيير الحكم في دمشق، افتقدت إيران شريكاً أساسياَ لها وواجهت حقيقة أخرى
السلطة السورية الجديدة مشروعها لا ينسجم مع الرؤية الإيرانية ولا مع إرث الوجود الإيراني في سورية.
ما يدفع طهران إلى مسارَين متوازيين:
المسار الأول العودة إلى سورية ولو شكلاَ من خلال قطر أو تركيا أو محاولات طبيع نفوذ غير معلن داخل سورية عبر طرق بديلة .
أما المسار الثاني هو تعويض خسارة دمشق عبر تشبيك أكبر مع ساحات المقاومة الأخرى
لتبقى القدرة الصاروخية والمسيّرات حاضرة على تخوم الجليل والبحر والفرات.
بين الرد الموزون وتجنّب الحرب الكبرى
إيران اليوم تقف عند خطّ دقيق حيث تعمل على تظهر قوتها دون أن تكشف ظهرها
تردّ دون أن تفتح بوابة الحرب الشاملة تحتفظ بأوراقها دون أن تبدّدها بالتالي هي معادلة الوقت سلاح:
تصعيد محسوب… انتظار طويل… وخصم ينزف ببطء.
دمشق لم تعد في محور المقاومة… لكن المعركة لم تنتهِ
سقوط الأسد لم يلغِ نفوذ إيران، لكنه نزع عنها رفاهية التمدد المريح.
وبالتالي إيران لم تعد قادرة على الاعتماد على “دولة حليف”، بل على مشروع مقاومة متناثر لكنه شديد التأثير. والجنرال جعفري كان واضحاً حين قال بان
إيران ستقاتل من البحر والجو والمعلومات…
وليس من دمشق بعد اليوم.
وسورية الجديدة ، تجد نفسها أمام تحدٍ مزدوج ترسيخ شرعيتها الوطنية…
ومنع صراعٍ إقليمي طويل يُختبر على أرضها.
ومع كل ضربة تطلقها إسرائيل أو تهديد إيراني يلوح،
تكتب المنطقة فصلها الجديد من دون بشار الأسد…
لكن تحت ظلّ معركة أكبر لم تقل بعد كلمتها الأخيرة.







Commenti