top of page

العلاقة الفنية المصرية – الإيطالية بين الماضي والحاضر… ذاكرة المتوسط ووعوده الجديدة

  • 2 nov
  • Tempo di lettura: 2 min
ree

مروة خيال

من ضفاف المتوسط تبدأ الحكاية

لم تكن العلاقة بين مصر وإيطاليا مجرد تبادل دبلوماسي أو تجاري، بل قصة حضارتين جمعت بينهما لغة الفن والجمال. فمنذ مطلع القرن العشرين، كانت القاهرة والإسكندرية وجهتين مفضّلتين للفنانين والمهندسين الإيطاليين الذين وجدوا في شوارع مصر مسرحًا واسعًا لتجاربهم، فيما تعلّم الفنانون المصريون من مدارس روما وفلورنسا أصول الفن الكلاسيكي وتقنيات التكوين والبناء.

ماريو روسّي… المعماري الذي مزج المئذنة بالقوس الروماني

يُعدّ المعماري الإيطالي ماريو روسّي أحد أبرز رموز الحضور الفني الإيطالي في مصر. فقد صمّم عددًا من المساجد الكبرى، أبرزها مسجد المرسي أبو العباس في الإسكندرية، جامع المراغي في حلوان، ومساجد أخرى للوقف المصري. تميّزت أعماله بالمزج بين الروح الإسلامية والتكوين الهندسي الإيطالي الصارم، ما جعلها مدرسة قائمة بذاتها في تاريخ العمارة المصرية الحديثة.

أما المهندس أنطونيو لاسشياك، فقد ترك بصماته على القصور الملكية في القاهرة والإسكندرية، مجسّدًا نموذجًا فريدًا لتزاوج الذوق الإيطالي مع الطابع الشرقي المترف.

السينما… حين التقت الكاميرا المصرية بالعدسة الإيطالية

منذ عام 1917، شاركت شركات إيطالية في تأسيس شركة السينما المصرية الإيطالية التي ساهمت في إنتاج أولى الأفلام الصامتة في القاهرة. وفي خمسينيات القرن الماضي، شهدت الاستوديوهات المصرية والإيطالية تعاونًا لافتًا في التصوير والإخراج، خصوصًا مع استوديوهات “تشينيتشيتا” في روما، التي استقبلت بعثات مصرية للتدريب وتبادل الخبرات.لم يكن هذا التعاون مجرد نقل للتقنيات، بل شكّل بوابة لخلق حسّ متوسطي مشترك في التعبير السينمائي، حيث التقت الواقعية الإيطالية بالدراما الاجتماعية المصرية، فخرجت أعمال خالدة حملت بصمات المدرستين.

العمارة والهوية البصرية… حضورٌ مستمر

المباني التي شيدها الإيطاليون في القاهرة والإسكندرية ما زالت شاهدة على عصرٍ ذهبي من التبادل الفني، من واجهات البازارات إلى شرفات القصور إلى المسارح ودور الأوبرا.اليوم، تعيد مؤسسات ثقافية مثل المعهد الإيطالي للثقافة في القاهرة ومكتبة الإسكندرية إحياء هذا التراث عبر معارض مشتركة وورش عمل تجمع فنانين ومهندسين من الجانبين، في محاولة لإعادة بناء الجسر الذي لم ينقطع يومًا بين ضفّتي المتوسط.

الفن الحديث… لغة مشتركة لمستقبل جديد

في العقد الأخير، عاد التعاون المصري–الإيطالي إلى واجهة المشهد عبر مشاريع ثقافية رقمية، ومعارض للفنون المعاصرة تحت عناوين مثل “Dal Cairo a Roma” التي استعرضت التفاعل البصري بين فناني البلدين، وأعادت تعريف العلاقة الثقافية ضمن مفهوم التبادل الإنساني العابر للحدود.

اقتراحات لتعزيز التعاون الفني في العصر الحديث

1. إطلاق برنامج “النهضة المتوسطية” للفنون المشتركة، يشمل إقامة فنانين ومصممين من مصر وإيطاليا في مشاريع متبادلة تُنتج أعمالًا توثّق التراث المعماري والفني المشترك.

2. إنشاء أرشيف رقمي متوسطي للفن المصري–الإيطالي، يوثّق المباني والجداريات والأعمال السينمائية المشتركة، بإشراف أكاديمي من جامعات البلدين.

3. إدراج مادة “تاريخ العلاقات الفنية المصرية الإيطالية” ضمن مناهج كليات الفنون الجميلة في القاهرة وفلورنسا لتعزيز وعي الجيل الجديد بجذور التواصل الثقافي.

4. تشجيع الإنتاج السينمائي المشترك عبر اتفاقيات بين المركز القومي للسينما وهيئة السينما الإيطالية لتصوير أفلام في مواقع أثرية مصرية وإيطالية تعكس هوية المتوسط.

5. تنظيم “أسبوع الفن المتوسطي” في القاهرة وروما، يعرض أعمالًا تشكيلية وسينمائية ومعمارية، ويكرّم رواد التعاون التاريخي أمثال ماريو روسّي وأنطونيو لاسشياك.

المتوسط… جسر لا ينكسر

العلاقة الفنية بين مصر وإيطاليا ليست مجرد فصل من الماضي، بل مشروع حضاري متجدد يعيد تعريف دور الفن كجسرٍ بين الشعوب. فبينما تتغيّر السياسة والاقتصاد، يبقى الفن هو الذاكرة التي تحفظ الوجدان المشترك للمتوسط، وتذكّر بأن الجمال هو اللغة الوحيدة التي لا تعرف الانقسام

Commenti


bottom of page