top of page

الفاشر… المأساة التي تختصر وجع السودان

  • 2 nov
  • Tempo di lettura: 2 min
ree

✍️ وائل المولى – كاتب وصحفي

ما يجري في الفاشر ليس مجرد معركة عابرة، بل مأساة تختصر وجع السودان كله، وتكشف انهيار الدولة أمام سطوة السلاح وتنازع الولاءات. المدينة التي كانت يوماً قلب دارفور النابض، تحولت إلى ركام من الخوف والجوع والموت، حيث تُباد الحياة وتُقصف المستشفيات وتُهجّر العائلات بلا رحمة.منذ أكثر من عام، فرضت قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على المدينة، قطعت خلاله الإمدادات الحيوية، فغرقت الفاشر في المجاعة والصمت. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 260 ألف مدني – نصفهم أطفال – يعيشون في ظروف مأساوية. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2025، سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة بعد انسحاب الجيش، لتبدأ مرحلة جديدة من الانتهاكات: إعدامات ميدانية، واقتحام مستشفيات، ودفن جماعي للضحايا، كما وثقت منظمات دولية وإقليمية.لكن مأساة الفاشر ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة عقودٍ من سوء الحكم وتسييس الدين وتغليب المصالح الضيقة على فكرة الوطن. فمنذ عهد البشير، حين تحولت الميليشيات إلى أذرع بديلة للدولة، بدأ العدّ التنازلي لتفكك السودان. الجنجويد الذين استُخدموا في حرب دارفور أصبحوا اليوم “قوات الدعم السريع”، قوة تتصرف كدولة موازية تحمل إرث العنف والانقسام.ما يحدث في الفاشر هو فصل من خطة أوسع لإعادة رسم خريطة دارفور تحت شعار “التدخل الإنساني”، بينما تخفي هذه الشعارات مصالح إقليمية ودولية تتطلع إلى السيطرة على ثروات الإقليم من ذهب ونفط ومعادن نادرة.دارفور اليوم ليست فقط جغرافيا منكوبة، بل شهادة على عجز الضمير العالمي. فبينما تُرتكب الجرائم على مرأى العالم، يكتفي المجتمع الدولي ببيانات إدانة لا تُغني عن فعل حقيقي، في انتظار “وصاية أممية” جديدة.ورغم كل هذا الخراب، يبقى في السودان ما يستحق الحياة: إرادة الناس البسطاء الذين يتمسكون بالأمل ويرون في الفاشر رمزاً لكرامة وطن يريد أن ينهض من تحت الركام.الفاشر اليوم جرح مفتوح في الجسد العربي والإفريقي، وصرخة تقول إن الأوطان لا تُحمى بالشعارات، بل بالعدالة والمواطنة والمساءلة. وإن لم يتوقف هذا النزيف، فسيبقى السودان مهدداً بأن يتحول إلى خرائط جديدة يرسمها الآخرون لوطن ممزق الأشلاء .

Commenti


bottom of page