أرمينيا… الجبهة الصامتة في حرب النفوذ القادمة
- 14 nov
- Tempo di lettura: 2 min

✍️ وائل المولى – كاتب وصحافي
لم تعد أرمينيا دولة صغيرة على هامش الحدث الإقليمي، بل تحولت إلى نقطة ارتكاز حقيقية في هندسة الشرق الأوسط الجديد. ففي زمن تتبدل فيه خرائط القوة، وتتحول الجغرافيا إلى أداة صراع، برزت أرمينيا كمساحة استراتيجية تلتقي عندها مشاريع النفوذ المتنافسة.
بعد سقوط دمشق… تركيا على حدود الطموح الإمبراطوري
أحدث سقوط النظام السوري انقلابًا جذريًا في ميزان القوى. فتركيا، التي تمكنت من بسط نفوذها على معظم الجغرافيا السورية، باتت ترى في هذا المتغير فرصة لبلورة مشروع إقليمي واسع يمتد من حلب إلى الموصل، مشروع يستند إلى رؤية طورانية – أمنية مدعومة اقتصاديًا وسياسيًا من قطر وباكستان.لكن هذا التمدد التركي يواجه تحفّظًا إسرائيليًا واضحًا. فتل أبيب تنظر بقلق إلى صعود قوة إسلامية–تركية متماسكة على حدودها، قادرة على قلب معادلة الردع التقليدية، وتغيير خطوط اللعبة التي اعتادت إسرائيل التحكم بها. ولهذا بدأت تل أبيب بتفعيل أدواتها الاستخباراتية والسياسية لخلخلة هذا التوازن الجديد.
أرمينيا… الممر الذي لا يمكن تجاوزه
تقع أرمينيا في نقطة التماس بين ثلاثة محاور إقليمية: تركيا غربًا، أذربيجان شرقًا، وإيران جنوبًا. لكن أهميتها اليوم لا تكمن فقط في موقعها الجغرافي، بل في قدرتها على التحول إلى منصة مضادة للنفوذ التركي.فإسرائيل التي رسخت وجودها سابقًا في أذربيجان بهدف مراقبة إيران، تجد نفسها الآن أمام ضرورة توسيع حضورها في محيط القوقاز بعد الانسداد السوري. ومع تمدد أنقرة شمالًا وجنوبًا، تصبح أرمينيا منفذًا استراتيجيًا لا يمكن تجاوزه في أي مواجهة استخباراتية أو سياسية قد تتصاعد بين تركيا وإسرائيل. بل إن هذا التقاطع أوجد مساحة مشتركة ومحدودة بين تل أبيب وطهران رغم العداء الشديد بينهما ، فكلاهما يتحفظ على الطموح التركي الذي يتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية.
صراع مشاريع… لا صراع دول
المنطقة لا تتجه نحو مواجهة جيوش بقدر ما تتجه نحو صدام مشاريع متضاربة:
المشروع التركي الذي يسعى إلى إعادة إنتاج النفوذ الطوراني بصيغة أمنية–اقتصادية سياسية ممتدة.
المشروع الإسرائيلي الذي يعمل على منع تشكل قوة إقليمية قادرة على كسر معادلة الردع.
وفي هذا المشهد، تصبح أرمينيا ساحة صامتة لكنها شديدة الحساسية، تتداخل فوق أرضها مصالح الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل وإيران. كل طرف يتحرك بدقة، ويتجنب المواجهة المباشرة، لكنه يعدّ أوراق القوة خلف الستار.
أرمينيا في عين الإعصار
في زمن تصدع الحدود، وانكفاء روسيا، وتصاعد المحاور، لم يعد بإمكان أرمينيا الاكتفاء بالحياد التقليدي. فهي اليوم على حافة صدام محتمل بين تركيا وإسرائيل، وبين تركيا وإيران، فيما يشتد الضغط من الشرق الأذربيجاني والجنوب الإيراني والغرب التركي.وإذا اشتعلت المواجهة الكبرى في القوقاز، فلن تكون أرمينيا مجرد متفرج على مسرح التاريخ.ستكون إحدى ساحاته الأساسية… الساحة التي قد تُرسم فوقها خرائط جديدة، بأدوات ليست بعيدة عن النار والرماد







Commenti