top of page

الآثار الاقتصادية والأمنية لقرصنة أموال المقاصة وتراجع الدعم الدولي على الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات الشتات

  • 4 ore fa
  • Tempo di lettura: 3 min

ree

كتب عصام الحلبي

تشهد الأراضي الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات الشتات، أزمة مركّبة ومتفاقمة، ناجمة عن تداخل عوامل سياسية واقتصادية ضاغطة، في مقدمتها قرصنة الاحتلال الإسرائيلي لأموال المقاصة الفلسطينية، وتراجع الدعم الدولي لميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية، وعدم انتظام تحويلات الدول المانحة. وقد أسهمت هذه العوامل مجتمعة في إنهاك البنية المالية والمؤسساتية للسلطة، ودفع المجتمع الفلسطيني نحو أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة، تحمل في طياتها تداعيات أمنية عميقة.

قرصنة أموال المقاصة وأثرها على الاستقرار المالي

تُعد أموال المقاصة أحد الركائز الأساسية لميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ تشكل المصدر الأهم للإيرادات التشغيلية، غير أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة اقتطاع هذه الأموال أو احتجازها بذريعة اعتبارات سياسية وأمنية، في خرق واضح للاتفاقيات الموقعة. وقد أدى ذلك إلى تفاقم العجز المالي، وتحويله من أزمة مؤقتة إلى حالة مزمنة.هذا الواقع انعكس مباشرة على قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية، حيث أصبحت الميزانية متهالكة وغير قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة والخدمات العامة، ما أضعف قدرة المؤسسات الرسمية على أداء وظائفها الحيوية.

تراجع الدعم الدولي وعدم انتظام التمويل المانح

بالتوازي مع قرصنة أموال المقاصة شهد الدعم الدولي المقدم للسلطة الوطنية تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، نتيجة متغيرات سياسية دولية وإقليمية، إلى جانب تخلف المانحين عن دفع الدعم المالي والمساعدات السلطة الفلسطينية وربطها بشروط سياسية. كما اتسم ما تبقى من هذا الدعم بعدم الانتظام والتذبذب، ما أفقد السلطة القدرة على التخطيط المالي المستدام.وأدى هذا الوضع إلى إدارة مالية قائمة على الأزمات، تعتمد على حلول مؤقتة وإجراءات تقشفية، دون القدرة على تنفيذ سياسات اقتصادية أو اجتماعية فاعلة، أو إطلاق برامج حماية اجتماعية شاملة.

عدم انتظام الرواتب وتراجع الأداء الأمني

من أخطر تداعيات الأزمة المالية عدم انتظام دفع رواتب الموظفين العموميين، بما في ذلك منتسبو أجهزة الشرطة والأمن. وقد أثر ذلك سلبًا على الاستقرار المعيشي للموظفين، وأدى إلى تراجع المعنويات والأداء الوظيفي في ظل الظروف الاقتصادية القاسية وارتفاع تكاليف المعيشة.إن إضعاف الوضع الاقتصادي للعاملين في القطاع الأمني لا ينعكس فقط على أوضاعهم الاجتماعية، بل يهدد منظومة الأمن الداخلي برمتها، ويؤثر في قدرة الأجهزة الأمنية على الحفاظ على النظام والاستقرار المجتمعي.

اتساع رقعة الفقر وتآكل شبكات الحماية الاجتماعية

أسهمت الأزمة المالية في ارتفاع معدلات الفقر، واتساع رقعته ليشمل شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك الطبقة الوسطى التي كانت تشكل عنصر توازن اجتماعي. ومع محدودية الموارد، باتت السلطة الوطنية عاجزة عن تفعيل برامج الضمان الاجتماعي أو توسيع شبكات الأمان للفئات الأكثر تضررًا.وفي قطاع غزة ومخيمات الشتات، حيث تتفاقم آثار الحصار والبطالة وغياب الأفق الاقتصادي، تتضاعف حدة هذه التداعيات، ما يعزز الاعتماد على المساعدات الإنسانية الطارئة بدل الحلول التنموية المستدامة.

الاحتقان الشعبي وخطر الانفجار الاجتماعي

أدت الظروف الاقتصادية القاسية إلى حالة متزايدة من التململ الشعبي، واليأس، وفقدان الثقة بالمستقبل، لا سيما في أوساط الشباب. ومع غياب حلول سياسية واقتصادية ملموسة، تتراكم مشاعر الإحباط والاحتقان، بما ينذر بإمكانية انفجار شعبي واسع قد يتخذ أشكالًا مختلفة من الاحتجاج وعدم الاستقرار.ويؤدي استمرار هذا الواقع إلى تعميق الفجوة بين المجتمع ومؤسسات الحكم، وتقويض الثقة العامة، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للسلم الأهلي والاستقرار الداخلي.

تراجع القطاعات الصحية والتعليمية

لم تكن القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الصحة والتعليم، بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية، فقد أدى نقص التمويل إلى تراجع مستوى الخدمات الصحية، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وتأخر مستحقات العاملين في القطاع الصحي. كما انعكس التقشف المالي سلبًا على المؤسسات التعليمية من حيث البنية التحتية، ورواتب المعلمين، والقدرة على تطوير البرامج التعليمية.ويُعد هذا التراجع خطرًا استراتيجيًا طويل الأمد، إذ يمس رأس المال البشري الفلسطيني، ويؤثر في فرص التنمية المستقبلية، ويعمّق دوائر الفقر والتهميش.إن قرصنة الاحتلال الإسرائيلي لأموال المقاصة، إلى جانب تراجع الدعم الدولي وعدم انتظام التمويل المانح، تشكل سياسة خنق اقتصادي ممنهجة تستهدف ليس فقط السلطة الوطنية الفلسطينية، بل المجتمع الفلسطيني بأكمله.وقد أفضت هذه السياسات إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية متداخلة، تهدد الاستقرار الداخلي وتفتح المجال أمام سيناريوهات خطيرة.وعليه، فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب تحركًا سياسيًا ودوليًا جادًا لوقف قرصنة أموال المقاصة وضمان تمويل مستدام، إلى جانب إصلاحات داخلية تعزز العدالة الاجتماعية وتحافظ على صمود المجتمع الفلسطيني، وتمنع الانزلاق نحو انفجار اجتماعي واسع النطاق.

Commenti


bottom of page