الجنوب السوري بين خرائط التفاهمات واتفاقات الداخل: معركة على هوية الأمن والسيادة .
- 18 set
- Tempo di lettura: 2 min

✍🏻:وائل المولى
كاتب وصحافي
يقف الجنوب السوري اليوم على مفترق دقيق تتقاطع عنده خرائط التفاهمات الخارجية مع اتفاقات الداخل، في مشهد يعكس انتقال الملف من خانة “الحل السياسي” إلى خانة “إدارة الأزمة”. فالمنطقة تتحول تدريجيًا إلى ساحة مضبوطة بإشراف أميركي، يُعاد من خلالها تركيب معادلات الأمن دون المساس بجوهر الصراع أو حسم قضاياه الكبرى.
التفاهمات الأمنية: خرائط تُقيّد الجنوب
المقترح الإسرائيلي الأخير يقدّم الجنوب السوري كفضاء أمني تحت الرقابة المحكمة: ثلاث مناطق متفاوتة القيود، منطقة عازلة موسعة، حظر وجود قوات وأسلحة ثقيلة، وتحويل كامل المجال الجوي إلى منطقة حظر على الطيران السوري. ورغم تسويق ذلك كترتيب “استقرار”، فإن بند “الممر الجوي نحو إيران” يكشف جوهره: تكريس قدرة إسرائيل على التدخل العسكري متى رأت ذلك ضرورة.دمشق تحاول تقليص الخسارة عبر المطالبة بالعودة إلى ترتيبات هدنة 1974، والانسحاب من الأراضي التي استولت عليها إسرائيل مؤخرًا، ووقف الغارات الجوية. لكن سقف التوقعات يبقى محدودًا؛ إذ لا معاهدة سلام تلوح في الأفق، بل نسخة جديدة من “تجميد الصراع” على غرار ما جرى قبل نصف قرن.
السويداء: الداخل في قلب المعادلة
بالتوازي، تم توقيع اتفاق ثلاثي مع الأردن والولايات المتحدة حول السويداء، صُمّم ليكمل صورة “الجنوب المضبوط”. بنوده شملت سحب المقاتلين المدنيين من محيط المحافظة، نشر قوات نظامية منضبطة، تشكيل مجلس محلي جامع، وإطلاق قوة شرطية بقيادة شخصية من أبناء المنطقة، إلى جانب محاسبة المتورطين في العنف وفتح مسار للمصالحة الوطنية.السويداء هنا لم تعد ملفًا داخليًا صرفًا، بل اصبحت جزءًا من هندسة أمنية إقليمية، هدفها منع انفجار طائفي أو تحوّل المحافظة إلى جبهة مفتوحة قد تربك حسابات الإقليم.
الأردن وأميركا: رعاة الترتيبات
الأردن قدّم نفسه ضامنًا مباشرًا، ربط أمن الجنوب السوري بأمنه الوطني، ووجّه أصابع الاتهام إلى إسرائيل بوصفها الجهة الوحيدة الساعية لتقسيم سوريا. استنفار الأردن جاء بعد طرح اسرائيل خطة لفتح ممر آمن للسويداء يعبر في الأراضي الأردنية ويمر في مناطق الدروز في الأردن وهي مناطق تشبه السويداء و أيضاً تضم الدروز والبدو وبالتالي نقل المشكلة إلى الأردن إلا أن الحكومة الأردنية كانت على يقظة من هذه الخطوة .
أما المبعوث الأميركي، فاعتبر الخطوات السورية “تاريخية”، في إشارة صريحة إلى رضا واشنطن عن مقاربة تُعطي الأولوية للأمن على حساب السيادة والسياسة المؤجلة.
خلاصة: حاضرٌ مؤقت وسيادة معلّقة
المساران متكاملان الأول خارجي مع إسرائيل برعاية أميركية يحدد الخرائط والحدود
والثاني داخلي في السويداء برعاية أميركية – أردنية مباشرة يضبط التوازن الاجتماعي والأمني.لكن الجامع بينهما أن ما يُرسم ليس حلًا نهائيًا، بل إدارة مؤقتة للأزمة، تمنع الانهيار وتُرحّل الملفات الكبرى – من الجولان إلى السيادة الوطنية – إلى أجل غير مسمى.بهذا المعنى، لا يُكتب للجنوب السوري مستقبل مستقر، بقدر ما يُرسم له حاضر مُقيد، تُدار حدوده وهويته الأمنية من الخارج، فيما تبقى سيادته معلّقة على جدار الانتظار.







Commenti