تسليم السلاح في برج البراجنة: خطوة رمزية لا تعالج أصل الأزمة
- 23 ago
- Tempo di lettura: 2 min

في مخيم برج البراجنة ببيروت، جرى مؤخرًا تسليم شاحنة محملة بأسلحة متوسطة وخفيفة إلى السلطات اللبنانية، واعتُبرت الخطوة إنجازًا أمنيًا مهمًا يفتح الباب أمام تنظيم ملف السلاح داخل المخيمات الفلسطينية. غير أن التدقيق في التفاصيل يكشف أن ما جرى أقرب إلى خطوة رمزية منه إلى تحول استراتيجي.
اللواء صبحي أبو عرب، قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني، أوضح أن السلاح الذي سُلِّم هو "غير شرعي"، أي أنه دخل المخيم مؤخرًا وليس من سلاح الفصائل الفلسطينية. وهذا يطرح سؤالًا جوهريًا، هل يمكن اعتبار تسليم بعض الأسلحة المحدودة بداية لمعالجة ملف عمره عقود؟
السلطات اللبنانية رأت في المشهد تعزيزًا لسيادتها ورسالة إلى الداخل والخارج بأن المخيمات ليست خارج السيطرة. الإعلام بدوره ضخّم الحدث، وكأنه فاتحة لمسار نزع السلاح. لكن الحقيقة أبسط بكثير، نحن أمام عملية محدودة لا تمس جوهر المعادلة القائمة منذ اتفاق القاهرة وما تلاه من تفاهمات.الواقع أن ملف السلاح في المخيمات أعقد بكثير من أن يُختصر بمشهد تسليم شاحنة أسلحة. فهو يرتبط أولًا بغياب الحقوق المدنية والاقتصادية عن الفلسطيني في لبنان، ما يجعله أسير بيئة من التهميش والحرمان. هذا الحرمان يولّد أرضية خصبة لانتشار السلاح غير المنضبط، ويجعل أي معالجة أمنية منفردة بلا جدوى.ثم إن البعد الإقليمي حاضر بقوة. فالتوتر على الحدود الجنوبية، واندلاع الحرب مجددًا، يضع المخيمات تحت مجهر دولي. وفي ظل الضغوط الخارجية، يبدو أن تسليم السلاح في برج البراجنة جاء كرسالة حسن نية أكثر من كونه قرارًا جذريًا.إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية لبنانية داخلية، نجد أن القوى السياسية نفسها منقسمة في مقاربة السلاح الفلسطيني. بعض الأطراف يستثمر الخطوة للتأكيد على سيادة الدولة، فيما يتعامل حزب الله وحركة أمل بحذر، خشية أن يفتح الملف الفلسطيني الباب إلى ملف أشد حساسية، سلاح المقاومة اللبنانية.وعليه، يمكن القول إن ما جرى في برج البراجنة لا يمثل سوى مشهد محدود في مسرح أكبر بكثير. إنه محاولة لتهدئة المخاوف، لا أكثر. فالسلاح الذي يُسلَّم اليوم يمكن أن يولد غيره غدًا، طالما أن جذور الأزمة باقية: قوانين لبنانية تمييزية، وفقر مستمر، وحرمان من أبسط حقوق العمل والتملك.برأيي الشخصي، أي معالجة جدية لملف السلاح في المخيمات يجب أن تسير بالتوازي مع مسار يمنح اللاجئ الفلسطيني حقوقه الإنسانية والمدنية. لا يمكن للدولة اللبنانية أن تطالب بنزع السلاح وهي تُبقي مئات آلاف الفلسطينيين خارج النظام الاقتصادي والاجتماعي. الحل الحقيقي يبدأ من الكرامة الإنسانية، لا من الشاحنات المحملة بالسلاح.إن تسليم بعض القطع قد يكون إشارة إلى نوايا طيبة، لكنه بالتأكيد ليس الحل. بل هو أقرب إلى مسكّن يخفف الألم لحظيًا، من دون أن يقترب من علاج المرض الأساسي.







Commenti