top of page

جولة البابا بين أنقرة وبيروت… رسائل أبعد من الروحانية

  • 2 ore fa
  • Tempo di lettura: 2 min
ree

✍️ وائل المولى – كاتب وصحافي

تأتي جولة البابا إلى تركيا ولبنان في لحظة إقليمية مشحونة، حيث تتشابك الأزمات وتتداخل الملفات من غزة إلى بيروت، ومن أنقرة إلى العواصم الغربية، بما يجعل الزيارة أبعد ما تكون عن كونها محطة رعوية عابرة. فالفاتيكان يدرك أن الشرق يمر بمرحلة إعادة تشكيل عميقة، وأن الوجود المسيحي فيه يواجه تحديات غير مسبوقة، وأن القوى الإقليمية تعيد ترتيب مواقعها فوق أرض تتصدع كل يوم. لذلك اختار البابا توقيتًا لا يمكن فصله عن النار المشتعلة في المنطقة، ولا عن التحولات الكبرى التي تحاصر شعوبها من كل الجهات.في تركيا، تحمل الزيارة بعدًا رمزيًا وسياسيًا في آن واحد. فأنقرة، التي تمر بمرحلة إعادة تموضع في سياساتها الداخلية والخارجية، تحاول من خلال استقبال البابا أن تعيد إبراز صورتها كدولة قادرة على التعايش وكمركز للحوار بين العالم الإسلامي والمسيحي. أما الفاتيكان، فيسعى إلى فتح صفحة جديدة بعد سنوات من التوتر التي رافقت ملف آيا صوفيا، وإلى استخدام ثقله الروحي في تهدئة الاحتقان الديني الذي يتصاعد في العالم. وبين رغبة تركيا في تحسين علاقتها مع الغرب وحاجة الفاتيكان إلى شريك إسلامي مؤثر، تبدو الزيارة بمثابة اختبار لإمكانية بناء جسر حقيقي بين ضفّتين ظل التوتر يحكمهما طويلاً.أما في لبنان، فيأتي البابا إلى بلد يعيش أسوأ أزماته منذ تأسيسه، وسط انهيار اقتصادي وارتباك سياسي وتراجع خطير في حضور المكوّن المسيحي الذي يعتبره الفاتيكان جزءًا من الهوية التاريخية للشرق. ولهذا تحمل الزيارة إلى بيروت أكثر من معنى: دعم معنوي لشعب مخنوق بالأزمات، رسالة سياسية للقوى المحلية بضرورة التوافق، وتنبيه للعالم بأن لبنان ليس تفصيلاً يمكن تجاهله، بل بلد ذو دور ورسالة وتوازنات دقيقة. إن الفاتيكان يشعر بأن الصيغة اللبنانية تتآكل، وأن العيش المشترك الذي طالما اعتبره نموذجًا معرض للانهيار، وبالتالي فإن حضور البابا هو محاولة لمنع سقوط آخر ما تبقى من هذا النموذج في الشرق.الزيارة في جوهرها محاولة من الفاتيكان لاستعادة دوره في منطقة يتصارع عليها الجميع. فبين النفوذ الأميركي والروسي والصيني، يسعى الكرسي الرسولي لتقديم نفسه كصوت أخلاقي قادر على تخفيف التوتر، والدفع نحو حوار يتجاوز الانقسامات الطائفية والمصالح الضيقة. ولذلك تبدو الجولة جزءًا من رؤية أوسع: حماية الوجود المسيحي، إبقاء جسور الحوار مفتوحة، التخفيف من آثار الأزمات على الشعوب، وإرسال إشارة بأن الفاتيكان ليس بعيدًا عن معادلات الشرق مهما اشتدت العواصف.وهكذا، تبدو جولة البابا زيارة رمزية في الشكل لكنها استراتيجية في المضمون. فهي تلامس القلق المسيحي في لبنان، والطموح التركي لاستعادة صورتها، والخوف العالمي من انفجار طائفي جديد، وتبحث عن نافذة أمل في عالم يميل إلى المزيد من التشظي. إنها زيارة تقول الكثير، لا بالكلمات وحدها، بل بحضور الرجل الذي يدرك أن الشرق لا يمكن تركه لقدره، وأن حماية الإنسان وكرامته هي المعركة التي يجب أن تُخاض قبل كل شيء. وفي منطقة تتقاطع فيها الأديان والسياسة والدم والحلم، تبدو هذه الزيارة خطوة صغيرة في الشكل، لكنها كبيرة في معناها… وربما في نتائجها المقبلة.

Commenti


bottom of page