صنع الله إبراهيم… الروائي الذي كتب بضميره وحياته
- 20 ago
- Tempo di lettura: 2 min

✍️ وائل المولى
كاتب وصحافي
سيرة غنية بالتجارب
حين نتأمل في مسيرة صُنع الله إبراهيم، ندرك أننا أمام كاتب لم يكن مجرد روائي يروي الحكايات، بل شاهد على عصر وضمير حيّ اختار مواجهة القمع. وُلد في القاهرة عام 1937، وانخرط منذ شبابه في النشاط السياسي اليساري، فكان نصيبه سنوات طويلة من السجن في ستينيات القرن الماضي. هذه التجربة القاسية شكّلت وعيه الأدبي، وأصبحت مرجعاً أساسياً في معظم أعماله. كتب عن السجن باعتباره صورة مُكثفة للوطن، قائلاً في إحدى شهاداته: “ما عشته خلف القضبان لم يكن إلا انعكاساً مكبّراً لما يعيشه المجتمع كله.”
الأدب كوثيقة إدانة
في أعماله، لا يقدّم صُنع الله إبراهيم حكاية للتسلية، بل نصاً يقترب من الوثيقة التاريخية والسياسية. روايته اللجنة (1981) تُجسّد متاهة البيروقراطية والاستبداد، حيث يجد البطل نفسه محاصراً بلجان تسأله عن كل تفاصيل حياته في صورة رمزية عن دولة المراقبة. أما ذات (1992) فترسم بانوراما شاملة لمصر المعاصرة من خلال حياة امرأة بسيطة، مستخدماً تقارير الصحف والإعلانات في النص، ليحوّل الرواية إلى مرآة للواقع. وفي شرف (1997)، يفتح أبواب السجون المصرية كاشفاً منظومة الفساد والسلطة، حيث يقول على لسان بطله: “السجن لم يكن مكاناً لعقاب المذنبين، بل لتربية المطيعين.”
موقف لا يساوم
ما يميز صُنع الله إبراهيم أنه لم يفصل بين الأدب والموقف السياسي. ففي عام 2003، رفض استلام جائزة القاهرة للإبداع الروائي، معلناً احتجاجه على سياسات الدولة، ومؤكداً أن السلطة التي تقمع حرية الإنسان لا يحق لها تكريم الأدب. كان هذا الموقف امتداداً طبيعياً لمسيرته الروائية التي لم تتوقف عن مواجهة السلطة. إنه موقف نادر في عالم الأدب العربي، يذكّر بمواقف كتّاب عالميين مثل جان بول سارتر حين رفض جائزة نوبل، ليؤكد أن الكاتب ليس مجرد شاهد بل فاعل في قلب المعركة.
أسلوبه: بين التوثيق والإبداع
اعتمد صُنع الله على أسلوب فريد يمزج بين الرواية والوثيقة. يضمّن نصوصه مقالات صحفية وبيانات رسمية وإعلانات حقيقية، ليضع القارئ أمام واقع لا يمكن إنكاره. هذه التقنية جعلت كتاباته أقرب إلى “شهادة أدبية” على عصر عربي مثقل بالقمع والخيبات. ويمكن مقارنته بتيار “الرواية غير الخيالية” عند كتّاب مثل تريومان كابوتي في “بدم بارد”، مع الفارق أن صُنع الله استخدم هذه التقنية ليكشف الخراب السياسي والاجتماعي في مصر والعالم العربي.
إرث لا يُمحى
يبقى صُنع الله إبراهيم واحداً من أبرز الروائيين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين. كاتبٌ جعل من الأدب فعلاً للمقاومة، ومن الرواية ساحةً لكشف الحقائق. قد يختلف القراء حول أسلوبه أو قسوته في النقد، لكن لا أحد ينكر أن إرثه الأدبي سيبقى شاهداً على أن الأدب يمكن أن يكون أصدق من التاريخ، وأعمق من أي خطاب سياسي. وربما لهذا قال عنه الناقد جابر عصفور ذات مرة: “إنه الكاتب الذي يكتب ضد التيار، ويعرف أن الكتابة نفسها مغامرة أخلاقية قبل أن تكون مغامرة جمالية.







Commenti