ماذا لو نجحت الوساطة الأميركية وتوقفت الحرب في أوكرانيا؟
- 15 ago
- Tempo di lettura: 3 min

✍🏻 وائل المولى
كاتب وصحافي
منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية عام 2022، شكّلت هذه الأزمة واحدة من أعقد التحديات التي واجهها العالم في العقد الأخير. لقد أعادت رسم خرائط الأمن الأوروبي، وضربت استقرار الطاقة، ودفعت إلى عسكرة غير مسبوقة لسياسات الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. واليوم، تطرح فرضية نجاح الوساطة الأميركية ووقف الحرب سيناريوهات عميقة التأثير على أوروبا وتركيا والشرق الأوسط، تتراوح بين انفراج اقتصادي ملموس وتوازنات جيوسياسية جديدة.
أوروبا: بين استعادة الاستقرار واستمرار الهواجس
في حال توقف الحرب، فإن أول انعكاس مباشر سيظهر في الاقتصاد والطاقة. أسعار الغاز ستنخفض تدريجيًا، والتضخم سيتراجع، فيما يعود تدفق الحبوب والمعادن الأوكرانية – الروسية إلى الأسواق العالمية. غير أن أوروبا، التي تعلمت درس الاعتماد على الغاز الروسي، لن تعود إلى النقطة السابقة، بل ستواصل سياسة تنويع مصادر الطاقة (الغاز الأميركي والقطري والنرويجي).أمنيًا، لن يتخلى الناتو عن يقظته شرقًا. فحتى مع تسوية جزئية، ستبقى الترتيبات العسكرية في البلطيق والبحر الأسود قائمة، وربما أكثر تنظيمًا. على المستوى السياسي، قد يخفّ الضغط الشعبوي مع تراجع أزمات اللاجئين وكلفة المعيشة، مما يمنح الاتحاد الأوروبي متنفسًا داخليًا. كما سيُستعاد زخم انضمام أوكرانيا ومولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي، وإن كان ذلك مسارًا طويل الأمد مشروطًا بالإصلاحات.
تركيا: صعود الوسيط الإقليمي
نجاح التسوية سيعزز مكانة أنقرة كلاعب محوري يجيد الموازنة بين واشنطن وموسكو وبروكسل. ستستعيد تركيا دورها كـ “ممر الحبوب” عبر البحر الأسود، وتستفيد اقتصاديًا من تراجع أسعار الطاقة وزيادة الثقة بالأسواق. كذلك، سينتعش مشروعها الاستراتيجي لإنشاء مركز للغاز، ما يمنحها أوراق ضغط إضافية على أوروبا.على الصعيد الأمني، سيتيح لها انخفاض التوتر في البحر الأسود إعادة توجيه الاهتمام نحو الملفات الأكثر إلحاحًا: سوريا، العراق، وشرق المتوسط. كما أن التحسن النسبي في العلاقة مع الغرب قد يُسرّع صفقة طائرات الـ F-16، ويقرّبها من أوروبا بعد سنوات من الجفاء. أما مع روسيا، فستحاول أنقرة الحفاظ على التوازن بين الانفتاح على الغرب وعدم خسارة قناة التفاهم مع موسكو.
الشرق الأوسط: بين الاستفادة الاقتصادية وإعادة الحسابات الجيوسياسية
نجاح الوساطة سيترك أثرًا مباشرًا على أسواق الطاقة. أسعار النفط والغاز ستتراجع تدريجيًا، مع احتمال تقليص “أوبك+” للإنتاج لتوازن السوق. العوائد الخليجية ستبقى قوية، لكن التركيز سيتجه نحو الاستثمار المستدام بدل الاعتماد على الفوائض.في المقابل، أزمة الغذاء التي أثقلت كاهل دول هشة كلبنان ومصر واليمن ستتراجع بفضل عودة الصادرات الأوكرانية والروسية من القمح والزيوت والأسمدة.أما من زاوية التوازنات الإقليمية، فإن إيران وروسيا ستواجهان ضغوطًا أكبر. أي قيود على الإمدادات العسكرية لموسكو قد تحدّ من تدفق المسيّرات والذخائر الإيرانية، ما ينعكس على ساحات مثل أوكرانيا واليمن وسوريا. كما أن روسيا، في حال خفّ انشغالها بالجبهة الأوكرانية، قد تعيد تعزيز حضورها في سوريا والقوقاز، ولكن بموارد محدودة، الأمر الذي يفتح الباب أمام ترتيبات أهدأ مع تركيا وإيران.
في فلسطين ولبنان، قد يؤدي انخفاض التوتر الدولي وعودة القنوات الأميركية – الروسية إلى احتواء بعض المخاطر ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة، لكن ذلك يبقى رهن الحسابات المحلية والإسرائيلية. أما على صعيد الاستثمار، فستتجه الرساميل الأوروبية إلى البحث عن بيئة مستقرة في المتوسط والشرق الأوسط، وهو ما يمنح مصر والأردن والمغرب والخليج فرصًا جديدة.
نحو مرحلة ما بعد الحرب
وقف الحرب في أوكرانيا لا يعني عودة العالم إلى ما قبل فبراير 2022. أوروبا ستظل حذرة، وروسيا لن تعود لاعبًا طبيعيًا في الاقتصاد العالمي بسهولة، لكن مجرد وقف النار سيشكّل تهدئة عالمية نسبية. هذه التهدئة ستُخفّف كلفة الطاقة والغذاء، وتفتح المجال لدبلوماسية جديدة، وتعيد توزيع الأوزان الجيوسياسية بين أوروبا وتركيا والشرق الأوسط.إن الفارق الجوهري سيبقى رهينًا بطبيعة التسوية: فإذا كانت تجميدًا مؤقتًا، فستظل المخاطر كامنة. أما إذا تحققت تسوية أوسع، تضمن ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية متينة، فإن أوروبا وتركيا والشرق الأوسط قد يدخلون مرحلة أكثر استقرارًا وازدهارًا، ولو نسبياً







Commenti